أخي الفاضل الأستاذ خشان .
لم أقدم لك التفعيلة ( متعلن ) لأنها قبيحة في زحافها , ولم أقدم هذا البحث للتحاور في اللحن الموسيقي , بل أريد من هذا البحث الوصول إلى حقيقة واضحة , ولقد ذكرها الدكتور محمد مندور في ( التفاعيل المزاحفة يساوي كمها في النطق التفاعيل الصحيحة ) لا نريد أكثر من هذا الحد . وأما باقي الأمور فلا علاقة للعروض بها , لأن القصيدة الواحدة لها مئات الألحان , ومئات الإيقاعات , ولكل تفعيلة أزمان مختلفة في النطق , وهذا أيضاً لا يهمنا , بل الذي نريده هو :
عندما ننشد بيتاً بسرعة زمنية ما من الوحدات الزمنية , فيجب أن تطبق هذه السرعة على جميع أبيات القصيدة , أي أننا نأخذ مقياساً واحداً للإنشاد الشعري ونسير عليه ,
والوزن الشعري عند إنشاد الأبيات الشعرية يجب أن تتعادل التفاعيل المزاحفة بأزمنتها مع أصل التفعيلة الصحيحة , فإن كانت التفعيلة الصحيحية سباعية الحروف , وأن التفعيلة الفرعية ستة أو خمسة حروف , فينبغي في هذه الحالة أن نضيف إلى التفعيلة الفرعية أزمنة إضافية أو حروفاً إضافية ( كمدّ للحركات ) لأجل التعادل الكمي والتعادل الزمني بين الأصل والفرع , وبهذا يمكن إنشاد البيت إنشاداً صحيحاً بالطريقة التي يراها المنشد مناسبة له , سواء بإطالة الأزمنة أو تقصير الأزمنة , فالناتج هو وزن واحد .
ومن هذا نقول لا وزن إلا بالتعادل الكمي ومعه التعادل الزمني .
سواء أكانت التفعيلة قبيحة أو كان زحافاً مقبولاً ,
ونسأل أنفسنا سؤالاً :
لماذ قلنا أن الكلمة ( وقتلوا ) قبيحة , ألمْ يكن اللفظ سليم , والنطق بها عذب , ؟؟
هذا إن كانت خارجة عن الإنشاد , أما عندما تكون على لسان المنشد ويريد تعويض النقص الذي ألمّ بها , فلا بد من صعوبة النطق مع التعويض , فقالوا ( هذا زحاف قبيح )
ونقول في هذا المقام:
لا يتعادل الوزن الشعري إلا إذا تحققت شروط التعادل وهي :
1 ـ لا بد من وجود الوحدات الإيقاعية ( أسبابها وأوتادها ) على ترتيب له اعتباره في العروض والموسيقى لتحقيق انتظام الإيقاع
( أي أننا نريد أن نحصر ( الكم) المقطعي لهذه الوحدات )
2 ـ لا بد من تحديد الوقت (الكم الزمني) ( وسرعته ) الذي يتناسب مع الكم المقطعي , وإن لم يتوافر ذلك , فهنالك اعتبارات أخرى لإيجاد التعادل وهو :
إما زيادة مد الحركة , وإما باستعمال السكتة ( حبس النطق لفترة قصيرة جداً لتكون عوضاً عن (مط الحرف ) .
3 ـ لا بد من تعيين مكان النبر الشعري على الوحدات الإيقاعية , لكي نحصر زمنها , ونضيفه إلى الكم الزمني :
من هذه الشروط الثلاثة فإننا ندرك بأن ميزان الشعر العربي هو( كمي زمني وكمي نبري, وكمي مقطعي ) ولا يتزن أي بيت شعري إلا بهذه الشروط الثلاثة .
مثال :
فعْلن = فعْ لنْ ( ـ ~ ) نعتبرها ( الآن ) خببية فقط
فِعِلنْ = فَ ع ِ لنْ ( ب ب ~ ) نعتبرها( الآن ) خببية فقط
ونقول: فعلن ( ـ ~ ) (تكافيء ) فعـِلن ( ب ب ~)
2 +2 = ( 2) + 2
4 = 4 ( تعادل كمي مقطعي وزمني )
ولكي نراعي الانتظام الإيقاعي للخبب , فعلينا عدم إحلال السبب الثقيل محل السبب الخفيف , في قصيدة واحدة , وعدم ازدواجية إيقاعين في قصيدة واحدة ) ,( وهذه أول مخالفة يرتكبها الشعراء ) لأن ذلك وإن أجازته الموسيقى لكن العروض يرفضه , لأن النبر ينبغي أن يكون في كل الحالات على السبب الخفيف الأول لكل أبيات القصيدة , أو أن يقع على السبب الخفيف الثاني لكل أبيات القصيدة , ويمنع عروضياً أن يجتمع سببان ثقيلان , أو أن يتنافر سببان ثقيلان أيضاً , ويبقى للخبب وزن خاص به إن كان من الخبب الأول ( ونبره على الأسباب الخفيفة الأولى لكل تفاعيله , أو أن يكون من الخبب الثاني ونبره يكون على الأسباب الخفيفة الثانية من تفاعيله .
وقد تحدث التجاوزات الموسيقية التي تعبر الخط الأحمر العروضي , ومنها ما يسمى ( بالسنبكة أو التمخير ) ويحدث ذلك عند معالجة بعض المقاطع الضرورية الموسيقية والتي يجبرها على القيام بمثل هذا العمل , اما أن يكون ذلك في البيت الشعري الموزون , فلا يمكن أن يحل السبب مكان الوتد , عروضياً , لسبب واحد وهو:
إن زنة السبب أقل من زنة الوتد , بالكم المقطعي والزمني , وإذا أرادت الموسيقى أن توافق بين السبب والوتد زمنياً فهذا لزوم ما لا يلزم .
نعود إلى البيت السابق وهو:
عش يا أخي عش يا أخي @@@ وقتلوا وقتلوا
(14 ) وحدة زمنية ومقطعية @@@ ( 10 ) وحدات زمنية ومقطعية
إن المنطق الحسابي والرياضي والعقلي والموسيقي يرفض مثل هذا التعادل , فكيف العروضيون وافقوا على تعادله , دون أن يفرقوا بين التفعيلة السالمة من الزحاف والتفعيلة ( المعلولة التي أصابها حذف وتد أو نقص سبب أو حذف وتد وسبب , أو حتى بتر تفعيلة تامة لم يبقوا منها سوى ( سبب ) واحد مثل ( فع ) في المتقارب ) ؟؟؟
وكيف وافق العروضيون على تعادل واتزان البيت الآتي من بيت الطويل الذي يبلغ عدد حروف الصدر أو العجز ( 27 ) حرفاً بينما لا يوجد في كل شطر من هذا البيت سوى ( 20 ) حرفاً فقط ؟؟؟؟ ؟؟
أخذ البيت من كتاب الكافي في العروض والقوافي صفحة 28 ( بيت القبض *
أتطلب من أسودُ بيشةَ دونهُ
أبو مطرَ وعامرٌ وأبو سعْد ٍ
ب ــ ب/ ب ــ ب ــ /ب ــ ب /ب ــ ب ــ
فعولُ / مفاعلن / فعولُ / مفاعلن
( 20 ) حرفاً تعادل أصل بيت الطويل ( 27 ) حرفاً
الجواب :
يوافق عليه العروضيون ( بالطاعة العمياء ) لأن الكتب العروضية , قالت يجوز في الطويل أن تحل فعولُ محل فعولن , فالبيت يتزن سواء جاءت فعولن أو فعولُ وسواء جاءت مفاعيلن أو فعولن في الضرب .
هذا رأي العروضيين , رأي لا يعتمد على منطق حسابي , ولا منطق عقلي , بالرغم من أن الكتب العروضية كلها القديمة بشكل خاص تقول ما يلي: ( الكافي صفحة ( 3 ) :
(((( العروض : ذلك أنه علم يتطلب قدرة خاصة قد يوجد العلم والأدب والذكاء ولا توجد , هي القدرة على الفطنة إلى نغم الكلام ثم حسابه وتحليله . ولا بدّ من الحساب والتحليل , لأن الفطنة وحدها تصنع الشاعر ومتذوق الشعر , أما العروضيّ فغرضه الضبط والتصنيف ووضع المقاييس ))))
العبارة أعلاه فيها كلمات واضحة وهي :
شاعر // عروضيّ // حساب وتحليل نغم الكلام // الضبط // التصنيف // ووضع المقاييس ))
إذا تحققت هذه الأوصاف فإن البيت الشعري يكون موزوناً لدى الشاعر والعروضي معاً ولدى الموسيقى الذي يهتم بحساب وتحليل نغم الكلام , ويهتم أيضاً بتصنيف الوحدات الإيقاعية وضبطها ووضع مقايسها في الوزن الثلاثي أو الرباعي أو الثنائي )
واسأل هذا السؤال:
كيف بالعروضيين اليوم يضعون أجزاء الوحدات الإيقاعية (( نصف أو ربع تفعيلة ) ويقولون : إن هذا وزن جديد أو بحر جديد ؟؟؟؟
علماً أنهم يعجزون عن التفريق بين زحاف وزحاف وبين تعادل وتعادل في الكمين الزمني والمقطعي كما مرّ معنا .
عجبت والله من هذا التعسف وهذا الاختراع الجديد .
إخواني :
عند الإنشاد الشعري لا بد من من الشروط التي وضعتها سابقاً وهي :
تحقيق التعادل الكمي والزمني لكل تفعيلة فرعية , لتعود إلى أصلها كماً وزمناً لكي يتساوى الميزان هكذا :
ب ب ب ــ لا تساوي ــ ــ ب ــ
ب. ب. ب ــ تساوي ــ ــ ب ــ
كل نقطة تمثل زنة حرف ,
وكأنك تنشدها هكذا:
مُ سكته / تَ سكتة / علن = مسْ / تفْ/ علن
أو( مو تااااا علن = متْ فاااا علن )
وهكذا نعمل مع كل تفعيلة أصابها الزحاف , نعوض النقص بمد الحروف أو بالسكتة , والمنشد يفعل ذلك بعفوية تامة دون أن يرشده إلى ذلك أحد , لأن اللسان يستقيم مع الإيقاع ونغم الكلام بشكل عفوي .
مع أطيب التحيات :
ننتظر منكم التعقيب والنقد , والسؤال أو الإضافة لمفاهيم جديدة .