لعبة الشطرنج في العروض
من قلم/ غالب احمد الغول
*** *** *** *** ***
لو أمعنا النظر إلى ما يكتبه العروضيون في هذه الأيام , في مشارق الأرض ومغاربها, وتتبعنا أقوالهم وأبحاثهم , لوجدنا المتناقضات الغريبة , بل سنجدها مثل لعبة الشطرنج , يتنقل العروضيون بالتفاعيل كما يتنقل لاعب الشطرنج بقطعه .
ففي كل يوم نجد طرحاً جديداً ومفاهيم غامضة , , وكأن العروض أصبح دمية بين أيادينا , من غير اكتراث لعواقب ما يفعلونه , وكأنّه ليس لديهم ما يعبثون به سواه ,
فقالوا: توجد برمجة (التقطيع العروضي في الحاسوب) وحصلت صاحبة هذه الفكرة على رسالة الماجستير , ولا نرى إلا التصفيق لمثل هذه الأقوال والاستسلام بها دون التفكير بأقل المفاهيم الشعرية التي لا تخضع إلا للحس والذوق والأخلاق , فمن أين يجيء الحس والذوق والأخلاق والشعور للكمبيوتر ؟
هل صحيح أن أجهزة كمبيوتر متقدمة جداَ جداَ جداَ , تستطيع أن تعمل عمل الإنسان في العروض والشعر؟
أو أن تحدد إيقاع البيت الشعري, وتحدد وحداته الإيقاعية بسهولة ويسر ,؟ وكيف يكون ذلك .
وهل من الضروري أن نلقن الكمبيوتر ألف سؤال وجواب , وألف احتمال لبيت واحد من الشعر لكي يعرفنا على بحره ؟ أو أن يعجز عن هذه الخدمة العويصة ؟
هل العروض مسؤول فقط عن معرفة القصيدة من أي بحر فقط , وهل كان الأولون يعرفون الشعر من خلال التقطيع العروضي أم من خلال الحس والشعور بتذوق المفردة العربية المناسبة .؟؟؟
عجبت لأقوال الباحثين أصحاب الشهادات العليا , عجبت من أقوالهم وكأنني أصبت بالدوخة عندما اسمع مثل هذه الأقوال .
لقد أصبح المسموح في العروض ممنوعاً , وأصبح الممنوع مسموحاً , ولا غرابة في ذلك , لأنهم قالوا , في آخر الزمان : إن تحدث الصادق كذبوه , وإن تحدث الكاذب صدقوه )
المسموح في العروض:
الأثلم , والأثرم , والمشكول , والمخبول ,
( والمعقول مفاعلن 1 2 1 2 في الهزج )
والأعقص ( 2 2 1 مفعولُ في أول الهزج )
والأجم ( 2 1 2 فاعلنْ في أول الهزج )
والموقوص ( 1 2 1 2 مفاعلنْ في الكامل )
ومثاله:
يذبّ عن حريمه بسيفه
ورمحه ونبله ويحتمي (الكافي )
1 2 3 1 2 3 21 3 الكامل ص 66 ( الكافي )
1 2 3 1 2 3 21 3 الرجز ص 80 ( الكافي)
3 1 2 3 1 2 3 1 2 الهزج التام بالقياس
فكيف يستطيع جهاز الحاسوب تتبع هذه الإيقاعات
المتشابهة في المقاطع تماماً ؟ أليس الذوق والفن واللفظ والحس والانشاد جميعها هي التي تقرر وتحكم ؟؟
ومن هنا أقول:
لا مانع من أن ينتج الشاعر قصيدة جديدة تتعانق فيها تفاعيل الكامل مع تفاعيل الرجز , بما فيها الزحافات والعلل والأضرب والأعاريض , وبخاصة عندما عجزنا عن إيجاد الفرق الإيقاعي بينهما . أليس هذا من حقنا كبشر ؟؟؟؟
ثم انظر إلى هذه الأمثلة :
1 ــ الأثلم في أول الطويل .
ومثاله: شاقتك أحداج سليمى بعاقل ٍ ( الكافي )
ــ ــ /ب ــ ــ ب/ ب ــ ــ/ ب ــ ب ــ
2 2 / عولن , بعد أن حذف متحرك فعولن .
2 ــ المشكول في الخفيف ( الكافي ) : وقد وضعوها في بحور أخرى
مثالها :
صرمتك أسماء بعد وصال ٍ
ب ب ــ ب / ــ ــ ب ــ / ب ب ــ ــ
1 1 2 1 / مسموحة ويستثقلها الإنشاد الشعري
3 ــ الأشتر : المضارع ( الكافي ) ص 119
سوف أهدي لسلمى ثناءً على ثناء
ــ ب ــ/ ــ ب ــ ــ
2 1 2 فاعلن لتحل محل مفاعيلن 1 2 2 2 في أول المضارع .
وغيرها من المسموحات العروضية التي لا يقبلها العروضيون في نظام الخليل نفسه .
بينما بدأ الشعراء ينسجون أشعارهم على الممنوعات أو قد تكون مسموحات هي الأخرى لدى الموسيقيين ,ولا ندري إلى أين يسيرون بنا , لأن الأمور اختلطت , فلم يعرف الصحيح من القبيح في الشعر .
ولم يسلم العروض التقليدي من الأخطاء , فقد سمح للعروضيين في باب المجتث (كفّ وشكل مستفعلن ) لتصير مستفعلُ 2 2 1 1 أو مفاعلُ 1 2 1 1 ), ومن هنا نتسائل . لماذا سمح الخليل بكفّ مستفعلن في المجتث , ولم يسمح به في الرجز ( وهو حمار الشعراء )؟؟
وإذا سمح العروض بكف مستفعلن , فلماذا لم يسمح بكف متفاعلن في الكامل لتصير 1 1 2 1 1 ؟ , وإذا سمح العروض التقليدي بجواز زحاف الوتد المجموع في مستفعلن , فلماذا لا يسمح بزحاف الوتد المجموع في فاعلن لتصير ( فاعلُ أي أن 2 1 2
لماذا لا تصير فاعلُ 2 1 1 ) ؟.
نحن نؤمن بأن الوتد المجموع للتفعيلة , مثل لبنة ( سنمار في قصر الملك ) فإن زال الوتد زالت عمارة العروض كلها .
عجيب أمر هذه المتناقضات العروضية , لأننا وضعنا عشرات علامات الاستفهام حول غموض العروض وتعقيداته وفلسفة العروضيين والشعراء فيه .
وأما الممنوع المسموح برأي بعض الشعراء .
فلقد تلقيت بيتين من الشعر أثناء مناقشتي مع العروضيين ,قبل خمس سنوات , كان فيها أكثر من ( 8 ) متحركات متوالية , ويقول صاحب الأبيات :
لماذا يرفضها العروضيون بالرغم من إمكانية إنشادها بالصوت البشري والموسيقي ؟؟
ولقد نسيتها , وضاع رابطها , لكنني نسجت الأبيات التالية على منوالها فانظر إليها :
نـَظـَـرَ فـَوَصَفَ غـَزَالـَهُ
ضَحـِكَ فـَكـَتـَبَ مَقـَالـَـــهُ
عبس فشتم صديقه
هجر وعقر خصالهُ
** ** ** **
والأبيات جميعها تحمل ( 9 متحركات متتالية )
ب ب ب ب ب ب ب ب ـــ ب ــ
1 1 1 1 1 1 1 1 2 1 2
فهل هذه الأبيات مرفوضة عروضياً , ولماذا ؟
وهل أصبحت مسموحة موسيقياً ؟؟؟؟ ولماذا .
وهل نستطيع أن نوفق بين العروض والموسيقى لإثبات صحتها ولماذا ؟
وهل مثل هذه المقاطع المتحركة يمكن رصدها ــ بعد زمن ــ على الحاسب الآلي ليتعرف على بحرها وإيقاعها ؟ ولماذا ؟؟
أفيدوني , وأفيدوا غيري . مع الشكر .